أصداء خلدونية-عبدالواحد محمد (مصر)
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
مقالات

أصداء خلدونية

  عبدالواحد محمد    

من أي طريق نبحث عن مكنوننا العربي الثقافي المسجون بين عالميين حائرين وهما  الوهم  والتقليد دون إرادة حقيقية من أهل الضاد وكأن تطورنا الاجتماعي أصبح سبة في تاريخنا بفضل نزعة الأنا غير المسؤولة عن واقعنا المتردي وما وصلنا إليه اليوم من ابتذال معرفي وسلوكي وإدراكي وأدبي انكشفت فيه كل آليات التزيف وقصائد المدح المعروفة بتتويج كتاب لانعي منه غير شهادة وفاة وفقدان حضارتنا بطرق ملتوية على رأسها لم نكن صناعها من المصدر والمجهول؟
 
لتتحول أقلامنا إلي عالم مخيف لايقدم سوى ردة في نشيدنا الثقافي وحانات نواسية وفوضي مقصودة لاستبدال عباءتنا العربية بـ(تيشرت  وشورت وكاب) وفوق ذلك بث فضائيات لاتخاطب سوى عقول مراهقة جدا ثم نجد من يشتكي علنا من ضعف خطابنا الثقافي في المؤتمرات والندوات والمؤسسات الرسمية من جامعات .. ومعاهد وأكاديميات .. وصحف .. ومسرح منوم مغناطيسياً  لتفوح منه رائحة التجريب وكأنها أيضاً شمس  أسوانية .. وحدائق بابلية ..  وأهرام مصرية. ثقافة تخفي وراءها علامات استفهام؟   وربما تأخذني أصداء خلدونية إلى واقعنا أكثر وأنا أرى كماً رهيباً من فلسفات ماجنة في كل صورها المعتمة كأن عقولنا فقدت حريتها وتحولت إلي شيء كرتوني يحلم بالقط الذي يلتهم الفأر .. ومن عجب أن ترى بعض هؤلاء المتشدقين بضعف ثقافتنا لايهتمون بما يعلقون عليه ويقذفوننا بحجارة بل يصبون غضبهم على كل خلدوني جاد ويحولونه إلى مدعي ثقافة محتال لا وزن له مما أكسبوا جيلنا الشاب انكسارا وخيبة أمل فيهم.
 
كل قصيدة غير مكتملة البحور .. ورواية بلا أشخاص وتاريج .. ومقال لا موسيقى تسكرك وأنت تقرأه .. وحوار صحافي مسروق من أستاذ .. وبحث مغشوش .. ومبدع حقيقي مغرور .. ليل كئيب فيه السفر عنوان لكل حماقاتهم المتعمدة  فمن يعمل بجهد ودأب وانتماء ليقدم لنا كل خلدوني يعي حقيقة وطن؟
 
فنجد أساتذة مهدوا لعصر ابن خلدون من أمثال ابن حزم ..الطرطوشي .. الفارابي .. وغيرهم لبناء مجتمع عربي ثقافي مبدع لايعرف أهواء  وفيما أورده ابن حزم في هذا السياق  (عن أستاذه ابن كتان ) من يبقى في هذا العالم دون معاونة لبني نوعه على مصلحة  أما يرى الحراث يحرث له  والطحان يطحن له والنساج ينسج له والخياط يخيط له .. وسائر الناس كل يتولى شغلا له فيه مصلحة وإليه ضرورة ؟ أفما يستحي هو أن يكون عيالا على كل العالم؟ ألايعين هو أيضا بشيء من المصلحة؟ ونجد ابن حزم  يعلق على أستاذه بوعي وإدراك اجتماعي بناء  بقوله: لقد صدق وعمري إن في كلامه مايستشير الهمم الساكنة إلى ما هيئت له وأي كلام في نوع هذا أحسن من كلامه في تعاون الناس كما أمرنا الله.
 
ونجد ابن خلدون في كتابه عن ابن حزم الأندلسي يشيد بفهمه المبكر لقيمة التعاون الاجتماعي الذي فقدناه اليوم مما خيم على ثقافتنا الضعف والهوان والأدهى دون اعتراف .؟!
ونجد بعض المستشرقين من أمثال  الفرنسي  لاووست يشيد بما جاء به ابن خلدون مفتاح التقدم الأوروبي الذي حرمنا منه دون إرادة كتابنا العربي القديم .. فغابت شمس الفكر مع تقديري لتوفيق الحكيم.
 فالحضارة والريادة الثقافية في عصورنا السابقة جاءت من رحم العلم وفلسفة الاحتكاك بالفرس وغيرهما لنقل كل ما هو إيجابي وليس هزلي لتصبح  اسماً على مسمى فلم ينعدم الضمير الثقافي ويتحول إلي الدجل الذي يمنحنا ابتسامة مؤقتة  فكفى هذا العبث لأننا نريد إبداعاً نسترد به طهرنا ونستر به عوراتنا ونسدد قروضنا قبل فوات الأوان.
 
ومما لاشك فيه أن العرب لم يتركوا علماً إلا وكان لهم فيه شهادة وبصمة لاتمحى من التاريخ  فكان الارتحال إلى الديار عمل وجهد ليل نهار كما فعل ابن بطوطة الذي طاف ببلاد العالم شرقا وغربا وجنوبا وسجل كل ماشاهده وسمعه في بلاد الهند ومن قبله الطبري الذي طاف بفارس والشام والعراق ومصر وباع ملابسه ليواصل طريقه نحو  التقدم لا من أجل تغييب عقولنا؟
 
فالطبري كان يكتب كل يوم تقريباً أربعين صفحة وقد ظل علي عهده وفيا للعلم أربعين عاماً دون فيها تاريخ الشرق قبل الإسلام وبعده بحيادية وأمانة مثقف  وكذلك المسعودي  956 ميلادي والذي لقب  بهيرودوت العرب  وطاف ببلاد آسيا والصين  ومدغشقر  وترك لنا عملاً ضخماً يقدر بثلاثين مجلد في تاريخ العلم قبل الإسلام وبعده  فلسفة مثقف يؤمن أن الطريق مجاهدة لنيل لقب يستحق بجدارة وفعلها ابن حيان فقد ألف خمسين كتاباً أحدهم عن تاريخ آسيا  وابن عساكر كتب حوالي ثمانين مجلداً عن اعلام دمشق وغيرهم كثير وكثير وللأصداء الخلدونية عبق ننهل منه لكي لا نمر مرور العابرين على ثقافة وحضارة عربية يجب أن تعود.



 
  عبدالواحد محمد (مصر) (2009-12-24)
Partager

تعليقات:
أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

أصداء خلدونية-عبدالواحد محمد (مصر)

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia